القائمة الرئيسية

الصفحات

 

هل تعرف لماذا نُصوّر

التصوير الفوتوغرافي معناه أن تعلن الحرب على الروتين. أن تقف أمام البحر و بيدك كاميرا فيشير الناس إليك “غريب الأطوار!” فتلتقط و تسجل و تحفظ بعضا من تلك الأشعة الذهبية التي تتلألأ الآن و ستنطفئ بعد قليل لتغادر هذا العالم بلا عودة. التصوير معناه أن تقول: لعلها الساعة تقوم بعد قليل و لن يعود هناك شجر، سأتلذذ بإلتقاط صورة لشجرة إقرارا مني بعظمة من خلقها. إنها ثورة على عالم الأسماء الذي تُحشى أدمغتنا فيه بعبارات “هذه شجرة و ذلك بحر و تلك غيمة” .. عالم يجرِّد الأشياء من الروح.

صديق أمضيتَ معه أياما حلوة و مُرّة، ما عشته سيبقى صورا محفوظة في ذاكرة داخل جمجمة مظلمة، إنها الكاميرا فقط التي تستطيع أن تجعل تلك الصور تبصر النور. إلتقط اللحظة قبل أن تفوتك.


تحدّث لغة البيكسل. هي اللغة الوحيدة التي يعيها الأمّي و المثقف، الأبيض و الأسود، العربي و الأعجمي. إنها لغة صامتة و لكن وقعها في القلب يكون أقوى من الكلمات. لو أن مئات الكُتب و الروايات نُشرت لتصف مجازر قوم و همجيتهم، لن تعبّر عن ما تعبّره صورة طفل فلسطيني مرمي في الشارع، مذبوح من الوريد إلى الوريد.

ويعتقد الكثيرون من الهواة أن تذوّق الجمال من أهم الأسباب التي تدفع المصورين لتشغيل كاميراتهم وتحضير عدساتها لإنتاج فكرة جمالية مميزة، لكن الحقيقة تخالف ذلك، فمن يبحثون عن حبس المشاهد الجميلة في صور كُثُر، لكنهم جزء من الصورة الكبيرة. فهناك من يعاكسهم في ميولهم تماماً، فيتتبع القبح والبشاعة ويوثّقهما بعدسته، ليعمل لاحقاً على إصلاح ذلك وتعديله من خلال آليات مختلفة، وهناك من يعشقون المغامرات المثيرة ويحترفون تصوير المشاهد التي تحبس الأنفاس وتبهر العيون، ولا تؤثر فيهم المخاطر الجمّة التي يتعرّضون لها، وفي حال تعرّضهم لإصابة ما، تجدهم يحصون الساعات للتعافي والعودة بحماسة وتحفّز أكبر لميادين الخطر.


لماذا أصور؟ لأنني أحب أن أستمتع بلحظات الحياة العابرة، أيا كان شكلها أو طعمها. لهذا أصوّر. هل تصوّر؟ لماذا تصوّر؟

تعليقات

التنقل السريع